A A A
كاسياس

لن أخفى إعجابى بالتنظيم الرائع والدقيق للأوليمبياد العالمية التى نظمتها دولة قطر، بغض النظر عن كونها دولة عربية أو غير عربية، المهم أنها أسعدت الملايين، وجذبت أنظار العالم بشغف وإعجاب، وطافت عيون العالم فى ملاعبها وشوارعها وحازت القبول والرضا، وأعطت مثالا للجدية والانضباط غائبا عن كثير من الدول ربما يعودون إليه. قطر كانت فاتنة مبهجة جذابة، شعبا وحاكما، استعانت بالعقول والخبرات العالمية وأفسحت المجال ووسعت الطريق ليتقدم أصحاب التخصص والعلم مع الإمكانيات، فكان هذا التشريف واضحًا صريحًا. اضافة اعلان

الصورة فى عمومها أخاذة وساطعة ومبهرة، لا فرق بينها وبين أوليمبيات العالم الأول، نفس المستوى ويتساوى، إلا أن تحويل هذه الاحتفالية الرياضية العالمية والمنافسة الكروية بين الفرق إلى صراع طائفى ودينى، وسباق تفوّق دين على أديان خلق الله، ومصارعة بين الأصولية الدينية والعلمانية، ومبارزة مذهبية ومقارعة حضارية، كان خطأ فادحا وكارثة الكوارث.. وربما كان هذا المظهر الدينى قد فرض فرضا من تيار الإسلام السياسى، الذى يجر خلفه كل الأحداث بمهنية وبخداع جماهيرى إلى صراع مذهبى ودينى، ويخسر دائمًا وأبدًا فى نهاية الجولة.. ولا يتعلم الدرس جيدًا، وكذلك يفعلون!.

ولأن هذا التيار قد تعوّد الكذب والخداع واختلاق القصص والروايات والاختراعات والاكتشافات المفبركة، فقد زعموا أن الآلاف قد زحفوا إلى دين الله أفواجا، وأن الألوف تقف فى طوابير تُلقَّن فيها الشهادة على يد مشايخهم، وأن المعجزات والخوارق تلف وتدور حول المشجعين من شارع إلى مترو إلى مدرجات الملاعب، فترى ما يراه المؤمنون الموحدون، فآمن منهم من أحبته أرض المسلمين، وتنكّر من عمى قلبه وضاق صدره عن دين الإسلام، حتى حسبنا أن كل المشجعين سيعودون إلى بلادهم مشايخ ودعاة وأئمة وفقهاء. وسارعت القنوات الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعى تلقن الشهادة للبعض، منهم من يرددها ببلاهة، ومنهم فى عجب، ومنهم مَن حسبها مسابقة أو مداعبة للضحك والتسلية، وهو أمر معهود عند هؤلاء القوم، وليس مستهجنًا أو مرفوضًا، حتى لو عرفوا أنه طقس إسلامى، ولا يتعدى الأمر عندهم نوعا من المجاملة والملاطفة، ويحسبها أصحابنا أنها دخول فى الدين.. وليس الأمر كذلك.

أما عن إستقبال الرئيس الفرنسى ماكرون بنداءات الفتوحات والتهليلات والتكبيرات والدعوات التى هزت المدرجات، وربما لم يلتفت إليها فى مباراة فرنسا والمغرب، فلم تتحرك المعجزة من مرقدها لنصرة فريق الساجدين، ولم تتشقق الأرض عن خارقة من خوارقها الموروثة تصد الهزيمة عن فريق الموحدين، ولم نشمت فى ماكرون إذا ما هزمته المغرب فى غزوتها، ولم تخزهم جحافل المغاربة أو تذلهم أو تقهرهم كما كان مصير الظالمين.. ومضت المباراة فى صالح فرنسا ليصل إلى الدور النهائى، ويؤدى مباراة كان القاسم الوحيد فيها للنصر هو الجهد والعرق والتخطيط السليم والإدارة الجيدة.. وفى نهاية المسابقة، انتصر فريق من الكاثوليك على آخر منهم، فلا سمعنا عن النصر المبين، ولا سمعنا عن غزوة الموحدين، ولا رفعوا شعار الكاثوليكية هى الحل.