أحيانا تصدر تصريحات من مشاهير، تكون خاصة بسياق معين لكنها تخرج عن نطاقها وتحرك دون عمد ثوابت راسخة فى عقول الناس. منها تصريحات نجم الكرة المصرى العالمى محمد صلاح هداف نادى ليفربول الانجليزى، الذى أعرب منذ أيام للصحافة الانجليزية عن استيائه من جلوسه على دكة البدلاء، وعن تجاهل النادى لما حققه من بطولات على مدى أعوام، واستحقاقه لمعاملة محترمة تقديراً لمكانته التى جناها.
اضافة اعلان
هز صلاح بكلماته صورة النجم المتعارف عليها. فالنجوم دوماً يجب أن يتعالوا، ويكونوا أقرب للقديسين، يؤثرون الصمت، ولا يطالبون بحقوقهم.. لا يعترضون ولا يناقشون. هذا هو الشكل المسموح به للمبدعين فى كل المجالات. نموذج سلبى، يحمل صاحب الموهبة التى لا يمتلكها غالبية الناس، يحمله عبئا لم ينزل الله به من سلطان. إن انصاع له، حظى بمكانة القديسين، وإن خالفه، دخل فى زمرة المغرورين، فقط لأنه يدرك قيمته ويطالب بحقه.
فى سورة يوسف، عندما طلب ملك مصر رؤية سيدنا يوسف بعد قضائه سنوات فى السجن، قال له سيدنا يوسف: «قَالَ اجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ». لم يصمت وينتظر أن يمن الملك عليه بوظيفة متواضعة أو مكافأة مرضية. تكلم وطلب أن يتولى مسؤولية خزائن الدولة، ووصف نفسه بالأمانة والكفاءة.
فى منظومة العمل التى تربط مبدعا أو موهوبا فى أى مجال بمؤسسة تمتلك رأس المال، يكون الأخير فى العادة صاحب السلطة والطرف الأقوى فى العلاقة، ويكون على الأول أن يقبل لاحتياجه لهذا القوى ليجنى ثمار موهبته. وبناء عليه أصبح من الثوابت أن يصمت الموهوب عن حقوقه ولا يعبر عن ضيقه تحت أى ظرف، ليظل محتفظا بالصورة السامية التى صدرها صاحب رأس المال ليستفيد من أصحاب المواهب، ويحمى استثماراته من الخسارة، بينما العلاقة فى حقيقتها العادلة، علاقة منفعة متبادلة، ولا يجب أن يستغل طرف الآخر، أو ينكر طرف احتياجه للآخر.
بغض النظر عن شعارات لعبة كرة القدم التى تتردد فى البرامج الرياضية عن أنها لعبة جماعية، وأن روح الفريق يجب أن تعلو فوق المصالح الشخصية، وأن النادى أكبر من أى لاعب، فإنى أرى أن صلاح اللاعب الموهوب والذكى، لم يتعد حدود الأدب أو اللياقة، ولم يعل بمصلحته الشخصية على حساب زملائه أو النادى. وإن عوقب على تصريحاته بإنهاء عقده مع ليفربول «صاحب رأس المال»، فلا يعيبه تعبيره عن عدم رضاه لوضعه فى النادى.
محمد صلاح الحاصل على جائزة أفضل لاعب فى انجلترا مرتين، والحائز على لقب هداف الموسم فى الدورى الانجليزى أربع مرات، واختارته مجلة التايمز الأمريكية ضمن أكثر 100 شخصية تأثيراً فى العالم، والملقب من الجماهير بالملك المصرى، سيظل ملكا وإن خلعت عنه ليفربول تاجها.
نقلاً عن جريدة المصري اليوم