** الحضور الجماهيرى الكامل فى مباراتى الزمالك والأهلى أمام نهضة بركان والترجى فى بطولتى إفريقيا كان الوقود الذى منح لاعبى الفريقين طاقة إيجابية وبدنية هائلة. فلعب الفريقان بروح ونضال على كل كرة وعلى أى كرة. وهذا الحضور والإقبال أضاف إلى مشهد الكرة المصرية صورته الجميلة، فالمدرجات بها صوت الموسيقى وهتافات، وأهازيج، ورسائل اجتماعية وسياسية، سجل بها هؤلاء الشباب، وهم الأغلبية، موقفا واضحا من حرب جيش الاحتلال على غزة، فى تسجيل واضح لمفهوم الوعى، فكان الهتاف من أجل فلسطين يهز أركان الاستاد.
اضافة اعلان
** كرة القدم لعبة الجماهير، والرياضة منذ قديم الأزل هى من أجل الناس، ومن أجل التباهى بالمهارة وبالقوة والقدرات البدنية. وهى ترويح، وهى أيضا تصنع شحنات انفعال صحية، وأهم ما تصنعه هو البهجة.
** الآن يقال الجمهور هو اللاعب رقم (1). لكن أصل إشراك الجمهور فى اللعب، يعود إلى عشرينيات القرن الماضى، كما يقول الأديب المكسيكى خوان بيورو فى كتابه «جنون المستديرة»، بأن صاحب تعبير الجمهور هو اللاعب رقم 12، هو الصحفى الأرجنتينى بابلو روخاس باز فى العشرينيات من القرن الماضى عندما كلفه مدير تحرير صحيفة «كريتيكا» أن يكتب تقريرا عن إحدى المباريات، وأن يضفى على مقاله شيئا يجذب الجمهور العام. وقد كانت مباريات كرة القدم فى تلك الأيام يحضرها عائلات اللاعبين أو يحضرها مجموعة من الناس بينما لا تعرف نتيجتها إلا من حكايات المقاهى، وقد كانت المباراة بالفعل حكاية تروى فى تلك الأيام البعيدة.
** سواء كان الجمهور هو اللاعب رقم (1) أو رقم (12). فهو فى النهاية لاعب مهم. وأرى أن كرة القدم لها سحرها الخاص لأسباب عديدة، تتعلق بسهولة ممارستها، وبجوهرها الفريد، وهو الصراع الذى لا تعرف نهايته أبدا، ولذلك توصف دائما بأنها خائنة وغدارة، قد تعرف بدايتها لكنك أبدا لا تعرف كيف تنتهى. وحين تتوجه إليها متوقعا الانتصار تنكسر، وحين تستلم لها متوقعا الانكسار تنتصر. وربما تتقدم إليها فتجدها تتراجع، وحين تتراجع عنها تفاجأ بأنها تتقدم إليك. وهى على مدار العمر والسنين تصغر وتصير أكثر شبابا بينما الناس من حولها يشيخون ويكبرون ويرحلون. فهى اليوم غير ما كانت عليه قبل سنوات، وهى غدا لن تكون مثل ما هى عليه اليوم.. وقد نجرى خلفها كثيرا وطوال الوقت فلا نطولها.. وهى التى علمتنا الحكمة.. وعلمتنا كيف نحب ونحن نكره، وكيف نضحك ونحن نبكى.. أليس كذلك؟!
** ويوما ما قالت مجلة تايم الأمريكية ذات يوم عن مشجعى كرة القدم كما يلى: «تراهم يتدفقون على الملاعب فى جماعات، وفى مواكب صاخبة، ويتزاحمون ويتضاحكون ويتظاهرون، ويتندرون ويتوعدون بعضهم.. تراهم يتدفقون بسيارات مشحونة، وأتوبيسات ضخمة، وقطارات مكدسة، وطائرات خاصة.. وكل شىء قبل المباراة يصاب بالشلل إلا الملعب فهو وحده يصبح فيلما من أفلام فيلينى مليئا بالحياة والحركة والانفعال والضوضاء، مليئا بالغضب والحب والعرق والخوف!.
** وقالت مجلة تايم الأمريكية: «مشجعو وعشاق كرة القدم يتوجهون إلى الملعب بألوان وقمصان الفريق، ويحملون الطبول والدفوف، ويشجعون ويهتفون ويغنون بحماس أثناء اللعب وبصوت كهزيم الرعد. ومشجع كرة القدم يرى فريقه فقط ولا يرى أى فريق آخر. يرى فريقه يلعب وحده ويرى الحكم له وحده.. وهو يرى أن ناديه هو الأول، حتى لو كان الأخير، ويراه البطل السابق والبطل القادم والبطل الوحيد.. وهو يرى بطولات خصومه غير حقيقية، وكلها تحققت بالتحكيم وبالحكام.. ومشجع كرة القدم يرى فريقه دائما على حق بدون وجه حق، ويراه مظلوما مجبونا مغبونا مهما نال من حقوق ويراه دائما منتصرا حتى لو كان مهزوما. أليس كذلك؟!
** قال بعض الجهابذة: لماذا تبالغون فى تأثير الجمهور وأهمية هذا الجمهور للفريق الذى تشجعه؟ لماذا إننا نلعب على المساحة نفسها من الأرض ويلعب 11 لاعبا أمام 11 لاعبا، ويكون هناك حكم فى كل المباريات ونلعب بالكرة نفسها ويكون الهدف هو وضع هذه الكرة فى المرمى الذى لا تختلف أبعاده أيضا من ملعب لآخر فى جميع أنحاء العالم، ولذا كان من المنطقى أن تكون الفرص متساوية سواء كنت تلعب على ملعبك أو خارج ملعبك..!
** هذا تفسير قاصر فقبل سنوات طرح نادى مانشستر يونايتد تطبيقا يسمح لجماهيره فى آسيا وإفريقيا بالتفاعل على الهواء مباشرة مع مباريات الفريق فى البريميرليج بينما كل مشجع يجلس فى منزله بدولته وقارته.. وقد فشلت تماما تلك التقليعة لأنها ليست حية.. أليس كذلك؟!