A A A
احمد الشربيني

أحمد الشربيني


في أغادير، لم يكن فوز المنتخب المصري على نظيره الجنوب إفريقي بهدف دون رد مجرد نتيجة على لوحة الملعب، بل كان بيانًا كرويًا يصدح في فضاء المحفل الإفريقي منادياً في العنان: مصر من الآن تعود إلى ريادة الكيان الإفريفي بروح الجنرال محمود الجوهري، لكن بلمسة حسام حسن المعاصرة. إنه مشهد يعيد إلى الأذهان أمجاد بطولة عام 1998، حين صاغ الجوهري مدرسة تكتيكية جعلت من الانضباط والروح الجماعية سلاحًا لا يُقهر. واليوم يثبت لنا العميد حسام حسن أن الإرث لا يُحفظ في الذاكرة فقط، بل يتم استدعاؤه و يُعاد إنتاجه وتمثله وتطويعه وترجمته على أرض الواقع مهما طال الزمن بفضل الروح المصرية الحماسية.اضافة اعلان


فمدرسة الجوهري أساس لا يزول ونبراس لايخبو على مر العصور شعارها التوازن بين الدفاع والهجوم والتعامل مع المباريات بشكل عقلاني وواقعي فلكل فريق أسلوبه ومتطلباته وتوازناته ولكل مباراة ظروفها وللبطولة مقاييسها ونذكر طبعاً ما حدث
في بوركينا فاسو حيث كان الدفاع قلعة، والعقل سيد الموقف، والوحدة شعار الفريق. والجنرال الجوهري لم يكتف بالنجوم، بل صنع منظومة متماسكة دفاعياً وهجومياً عمادها أن كل لاعب هو بمثابة ترس في آلة جماعية تعمل بدقة. تلك الفلسفة صنعت لقبًا قاريًا خالدًا، ورسخت قاعدة شعارها أن البطولات تُنتزع بالعقل وبث الهمم قبل مهارات القدم ولاينسى الجميع مقولة الجوهري الشهيرة "لقد ذهبنا لبوركينا فاسو ولا أعدكم بالبطولة بل بالمركز الثالث عشر في البطولة".




لكن الرجل خالف توقعات منتقديه فتعامل مع البطولة بحنكة وذكاء ففي مرحلة المجموعات كان يعمل بمبدأ ((مباريات تكسب ولا تلعب)) وفي المراحل الاقصائية كان شعاره على قدر الخصوم يكون الدفاع أو الهجوم والوقت الاضافي هو الميدان الفسيح وإلافضربات الترجيح هي الرهان المريح!!
وهكذا ظل يتقدم رويدًا رويدًاحتى وصل للمباراة النهائية ليفوز منتخبنا على نظيره الجنوب إفريقي بهدفين نظيفين ليكون الجنرال الجوهري أول مصري يفوز بالكأس السمراء لاعباً ومدرباً.

واليوم على دربه وخطاه نشاهد حسام حسن التلميذ النجيب الذي صار قائدًا في أغادير يستلهم روح الفوز ويرتدي معطف أستاذه الجوهري شكلاً وموضوعاً، فبدا المنتخب على يد العميد المخضرم وكأنه نسخة مطورة من جيل 98:
١-حارس قائد يضاهي نادر السيد لكن اسمه محمد الشناوي ذلك المنقذ الأسطوري الذي ليس مجرد حارس، بل عقل دفاعي يوجه الخطوط الخلفية.
٢- ليبرو عصري عبقري كحمدي فتحي يوزع الكرات من العمق، ليعيد للأذهان صناع اللعب من الخلف في الجيل الذهبي كهاني رمزي وأحمد حسن.
٣-القائد المحنك للعب الجماعي المتمثل في نجمنا العالمي محمد صلاح الذي كم شاهدناه يضحي باللمسة الأخيرة فيتنازل عن الأنانية ونرجسية النجوم لصالح التكتيك الجماعي والفكر الخططي لمدربه ليجسد روح الفريق المصري التي شعارها( مصلحة المنتخب وسمعة الوطن فوق النجوم وشهرتهم ومهارتهم) ٤- الحنكة في إدارة الأزمات فحسام حسن حوّل النقص العددي جراء طرد محمد هاني في الشوط الأول إلى درس في الصلابة الدفاعية والروح القتالية، مثبتًا أن السيطرة الذهنية هي مفتاح الانتصار ليظل منتخبنا صامدًا مهيباً في وجه الضغط الجنوب إفريقي حتى صافرة النهاية.



وهكذا فإن الزعامة ميراث ومسؤولية
وباتت الرسالة المصرية واضحة للجميع: (مصر لا تلعب فقط لتفوز، بل لتؤكد أن الزعامة ميراث يُستدعي الجدية ويتطلب روح المسؤولية) .
وحسام حسن في رأيي لا يقلد أستاذه الجوهري فقط بل يلبس فلسفته ثوباً عصرياً؛ليجعل من الحلم باللقب الثامن محطة واقعية بعد درب طويل ولعله بهذا الأداء خلف الخطوط قد أخرس مشككيه ومنتقديه من أنصاف الناقدين وسابقي اللاعبين الذين تغص بهم المواقع والبرامح ليل نهار وكم كانوا يتحينون سقوط منتخبنا وتعثره لا لشئ سوى أنهم يرون العميد ليس بجدير لقيادة المنتخب والأفضل استبدالة إثر الخروج المتوقع من البطولة والاستعانة بخواجة أنيق ذي سمت شيك لقيادتنا في كأس العالم!! لكن البطل حسام وفريقة الهمام فوتوا الفرصة على الأقزام وصائدي الأحلام أعداء النجاح المصري الأصيل الذي نقشه الجوهري عام١٩٩٨م ورسخه المعلم شحاته أعوام ٢٠٠٦ و٢٠٠٨ و٢٠١٠م وتناسوا أن آخر لقب إفريقي قد حصل عليه مدرب أجنبي حققناه بشق الأنفس عام١٩٨٦م في عهد الويلزي مايك سميث ومنذ ذلك الحين لم يفلح المدربون الأجانب في قيادة منتخبنا للفوز بالنجمة الثامنة فهل يفعلها حسام حسن وكتيبته؟ أقول نعم نستطيع لعدة أسباب:
١- لعلنا بهذا الأداء، نطمئن غاية الاطمئنان على منتخب الفراعنة فيما هو قادم لأن هذا التكتيك المتوازن قد ربحنا من خلاله مبارياتين متتاليتين
٢-الأجواء الحماسية والجماهيرية المتفاعلة إيجابياً مع المنتخب المصري ونجومه فالأشقاء في المغرب يعشقون الَنتخب المصري حتى بات المشاهد المصري يتعجب من حجم المساندة والمؤازرة المغربية وكأنك تلعب في القاهرة وإلا فهل تصدق عزيزي القارئ أن مباراتنا في أغادير ضد جنوب إفريقيا قد حصرها أربعون ألف مشجع مغربي؟ حقيقة أرى أن هذه اللفتة الإيجابية بمقدورها أن تدعم منتخبنا للوصول إلى المباراة النهائية.



٣-تعادل المنتخب المغربي في مباراة مالي والأداء الباهت لفرق الكاميرون والجزائر والسنغال يفتح باب التفاؤل ويعلي من سقف الطموحات كي نصل إلى منصة التتويج إن شاء الله.
٤-الروح الجماعية المتماسكة والدفعة المعنوية السائدة في الفريق وما تضفيه من تناغم وتعكسه من تفاهم رأيناه جلياً في البساط الأخضر وغرفة الملابس بين مدرب المنتخب ولاعبيه خير مؤشر مبشر بالنجاح المرتقب إن شاء الله.
لكن تبقى الشخصية المصرية التي افتقدناها منذ ١٥ عاماً إبان منتخب الساجدين هي مفتاح الانتصار والعزة والفخار ومازالت البطولة تحكي العديد من الأسرار ونحن-الجماهير المصرية-
على أهبة الترقب والانتظار ونراهن على ابن مصر الشجاع حسام حسن كي نحقق حلم الملايين وأن نفوز بالكأس الثامنة بفضل منتخبنا المغوار بإذن العزيز الغفار.
د. أحمد محمد الشربيني