هناك أرقام لا تبقى مجرد أرقام ولا يمكن تجاهلها بكل معانيها ودلالاتها.. منها رقمان أعلنهما الفيفا يوم الخميس عن انتقالات لاعبى كرة القدم فى 2024.. الرقم الأول هو 8.59 مليار دولار دفعته أندية العالم للتعاقد مع لاعبين جدد فى هذه السنة.. والرقم الثانى هو 78 ألفا و742 لاعبة ولاعب كرة انتقلوا فى نفس السنة من نادٍ إلى آخر.. ورغم أن أى أحد لا يحتاج لهذين الرقمين وأى أرقام أخرى ليعرف ويتخيل ويتوقع حجم شعبية كرة القدم وانتشارها ومكانتها وتأثيرها وسحرها.
اضافة اعلان
لكن يمكن أيضا أمام هذين الرقمين العودة كثيرا للوراء.. حين بدأت كرة القدم فى إنجلترا كلعبة للفقراء والصعاليك يلهون بها ومعها دون أى قواعد وقوانين أو تحديد مساحة واضحة للملعب وعدد معروف للاعبين.. ووصفها الملك إدوارد الثانى فى 1314 بلعبة الرعاع.. وظلت كرة القدم على نفس الحال ليراها الملك إدوارد الثالث فى 1349 لعبة حمقاء لا فائدة لها سواء لمن يلعبها أو يشاهدها.
وتوالى الملوك الإنجليز فى إدانة واحتقار كرة القدم لكن لم تكتف الملكة إليزابيث الأولى بذلك، إنما قررت بعد توليها العرش فى 1533 سجن كل من يتم ضبطه يلعب الكرة.. وكانت هذه هى الرؤية الملكية والأرستقراطية لكرة القدم لدرجة أن يقول الكاتب الإنجليزى الكبير شكسبيرعلى لسان أحد أبطال الملك لير: أنت يا لاعب كرة القدم الحقير.
ورغم تغيير هذه الصورة والرؤية تدريجيا بعد صياغة أول قانون للعبة فى جامعة كمبريدج 1846 وتأسيس أول ناد كروى هو شيفيلد فى 1857 وتأسيس الاتحاد الإنجليزى كأول اتحاد كروى فى التاريخ 1863 وإقامة أول مباراة رسمية 1871.. ظل الإنجليز يرون الكرة لعبة للمهمشين والفقراء.. وحين قام جنودهم بنشر اللعبة فى العالم لم يكن الضباط والقادة هم من قاموا بذلك إنما نشرها الجنود والبحارة البسطاء.
وحين أسس الفرنسى جول ريميه نادى النجمة الحمراء فى باريس 1879 وضم كرة القدم لأنشطة النادى.. هاجمه الأرستقراطيون الفرنسيون لأنه ضم لعبة لا يلعبها إلا الفقراء والعمال لكنه أصر وسيبدأ فيما بعد بطولة كأس العالم 1930.. وحين رأى الفرنسى روبرت جرين أن كرة القدم باتت فى 1903 تحتاج اتحادا دوليا لها.. سافر إلى لندن لعرض الفكرة على الإنجليز باعتبارهم أصحاب اللعبة الحقيقيين لكن لم يهتم الإنجليز وتم تأسيس الفيفا فى باريس 1904.
وكانت رحلة طويلة مشتها كرة القدم لتصبح ما هى عليه الآن.. وأصبح العالم يدفع قرابة 9 مليارات دولار من أجل انتقال لاعبين من نادٍ إلى آخر.. ولم يعد معظم اللاعبين فقراء وبسطاء وأصبح بعضهم من أغنياء العالم.