**هذا مجلس جديد يدير كرة القدم فى مصر، فهل يتعامل مع تعريف أوسع وأدق مع الكرة المصرية. هكذا أحاول منذ سنوات طويلة تعريف اللعبة فى مصر بمعناها الأوسع، فكلما حقق المنتخب الوطنى انتصارا، تعلو نغمة: «الكرة فى مصر بخير. وكلما خسر المنتخب مباراة أو بطولة تدور عمليات الندب، وينصب سرادق العزاء».. وهذا يدلل كيف تدار صناعة كرة القدم فى بلدنا بكل مستوياتها، فى الاتحاد، والأندية، والإعلام.. ويؤسفنى جدا أن الذين كانوا يديرون كرة القدم فى مصر منذ سنوات لا يعلمون ما هو تعريفها.. وإذا كانت كرة القدم فى دولة ما يقصد بها المنتخب، فإن الإنجليز على سبيل المثال، لم يفز منتخب بلادهم إلا ببطولة واحدة، وهى كأس العالم 1966، على مدى أكثر من 150 سنة!..
اضافة اعلان
** لكن عند الإنجليز أقوى دورى فى العالم، وأغنى مسابقة فى العالم. ويحتل البريمير ليج المرتبة الأولى عالميا منذ 20 سنة. فالكرة الإنجليزية هنا ليست المنتخب، وإنما هى الحضور الجماهيرى، المدرجات كاملة العدد فى كل المباريات، والمسابقات المحلية، وفى مقدمتها الدورى وكأس الاتحاد، وموعده الرسمى الثابت، والكرة الإنجليزية هى الملاعب الجيدة، والاستادات التى تحتوى مظاهر الترويح المختلفة. ثم هناك اللوائح والنظام، والالتزام، والصناعة ذاتها التى جعلت الأندية غنية.
** إن تجارب العالم تظل نقطة ضوء تستحق الدراسة. فألمانيا حين هزمت عام 2000 فى كأس الأمم الأوروبية، قررت بدء عملية إصلاح كبرى لمدة 10 سنوات. واهتمت بالناشئين وبمدربى الأجيال الصغيرة، فأنتجوا 17 ألف مدرب مقابل 900 فقط مثلهم فى إنجلترا خلال نفس الحقبة وهو فارق شاسع يعكس أهمية مدربى الناشئين، وحين خرج الألمان بخفى حنين فى بطولة كاس العالم 2022 وبطولة أوروبا 2024 أخذ خبراء الكرة الألمانية يدرسون ويحللون اسباب الإخفاق بلا عويل، وبلا تلوين.
** الكرة المصرية هى كل شىء يتعلق بالصناعة، فملاعبنا خالية من الجمهور. وأحيانا يحضر المباريات بعض الجمهور، لأن الدورى معظمه من أندية ليس لها جمهور. وخزائن الأندية، معظم الأندية، خاوية، والاحتراف مجرد أموال تدفع بدون واجبات ترد. واللاعب المحترف عندنا هو موظف فى شركة، أو صاحب محل، أو طالب مشغول بالإمتحانات. والكرة المصرية أيضا تعانى من سوء الملاعب. والكرة المصرية تفتقد القياسات العلمية، ورفع مستوى المدربين والحكام، واختلال فى بورصة اللاعبين.
** نحن منذ سنوات أيضا نعانى من حالة رياضية إعلامية تحتاج لمراجعات. فهناك تيار جارف تختلط فيه الأشياء. تختلط فيه الحقيقة بالشائعة. والقيمة بالفضيحة. والسمعة الحسنة بتشويه السمعة، إننا فى حالة خاصة، ففى الوقت الراهن تيار صاخب يزحف، ولا ينصت، ولا يصدق، ولا يلتقط أنفاسه، وهو تيار يتاجر بهدف وانتصار فريق، ويزايد بخسارة نفس الفريق. وأذكركم مرة أخرى بقصة تقدم منتخب مصر فى يوم من الأيام إلى المركز التاسع، ويومها خرجت تصريحات وكلمات مذهلة أطلقها أصحاب التيار الجارف الذى تحتشد فيه مراكب ومواكب النفاق وكانت تلك التصريحات من نوع: «أن منتخب مصر هو تاسع فريق فى العالم من ناحية القوة، وأنه أفضل من بلجيكا وفرنسا وغيرهما»، ثم التصريح القنبلة الذى يعكس مستوى التنبلة: «أنصفنا الله سبحانه وتعالى بهذا التصنيف لأننا لم نصل إلى كأس العالم فى 2010».
** هذا تهريج يمارسه مهرجون، وهذه لعبتهم بأسباب الجهل، وممارسة الدجل الفكرى والرياضى فالتصنيف لا يعنى المستوى الفنى بالدرجة الأولى ولكنه نتاج علاقات حسابية خاصة وفائدته الوحيدة يكون فى توزيع المنتخبات على مستويات. وهذا تهريج، لأنه يغيب عقول الناس ويلغيها، ويضحك عليها، ويضحك على النفس.
** إن مبارياتنا فيها فتن. ونرى فى مبارياتنا ضربا، وصراخا، واعتراضا قبل اللعب، وأثناء اللعب، وبعد اللعب.. ويخرج الفائز وهو يصيح: انتصرنا على المشككين. ويخرج المهزوم وهو يردد: حسبى الله ونعم الوكيل..!